Thursday, May 15, 2014

ليبيا 4

بسم الله الرحمن الرحيم

نبذة تاريخية 

مهما كتبت عن ليبيا وطني التي ولدت بها وترعرعت وجذور عائلتي نابعة منها منذ قرون مضت لن أوفيها حقها من التبجيل والشكر ، فقد إمتدت أصول الجدود الأوائل من عشيرة ( البلوي ) في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية عبر الفتوحات الإسلامية إلى الأندلس بأسبانيا، وبعد إقامة عدة قرون تراجع الناجون الأحياء منها مضطرين فرارا للحفاظ على العقيدة المحمدية والإيمان من التنصير... العذاب والقتل من محاكم التفتيش عندما خسر العرب الحرب النهائية الفاصلة فى الاندلس وغرناطة... والأرض أسبانيا في أوروبا حتى الآن ... تراجعوا الى شمال افريقيا عبر مضيق جبل طارق لضمان حياتهم والبدأ من جديد عبر الترحال من مكان الى آخر ،، والذى البعض من العشيرة طاب لهم المقام فى احد الاماكن أثناء المسيرة للرجوع الى الشرق يستقرون...  والباقون يواصلون الترحال حتى وصلوا الى مدينة تاجوراء بالغرب الليبى حيث إستقر بهم المقام فترة من الزمن....

وعندما حكم فرسان القديس يوحنا مدينة طرابلس وحواليها بعض الوقت ،، آثر البعض من العائلة الترحال الى مدينة درنة بالشرق للبعد عن حكم النصارى الشرس المتعصب ،، لأن جدودهم جربوا ويلاتهم فى غرناطة والأندلس من قبل .... وتمت هزيمة الفرسان وتراجعوا الى جزيرة مالطة من قبل العثمانيين الذين حكموا طرابلس وشمال أفريقيا قرونا عديدة ،، وحل الولاة القرمانليون فى الحكم بإسم السلاطين العثمانيين ويدفعون  الفدية لخزينة السلطان والرشاوي الضخمة لرجال الحكم كل عام حتى يرضى عنهم ويستمرون فى المناصب  ويحكمون  المواطنين المحليين أصحاب الارض البؤساء بالعنف والجبروت  بإسم الدين  وكأنهم عبيد وخدم ...

      وقام صراع سياسي كبير بين والي طرابلس يوسف باشا ووالي مصر محمد على باشا لضم منطقة برقة والبطنان الممتدة من خليج سرت الي رأس الحكمة بعد مدينة مرسى مطروح إلى مصر  ( الساحل الشمالي ) الآن...

      والقبائل الليبية إنقسمت الى قسمين جزء يحبذ الوصاية والوحدة مع مصر ( أولاد على ) وقبائل العبيدات والمرابطين يرفضون الضم، حيث جميع دول شمال أفريقيا في ذاك الوقت تحت الوصاية من الدولة العثمانية التى عاصمتها استانبول .

 وأرسل باشا طرابلس حملة قوية برية عسكرية وبعض المراكب بحرا لنقل العتاد الى الشرق من جميع قبائل الغرب وعلى رأسها ( تواجير مصراته ورفلة إزليتن وغيرهم من العشائر ) وكان البعض من العائلة من ضمن شباب الحملة المحاربين  لنجدة القبائل المتضررة في الشرق، الذين طلبوا من حاكم طرابلس الغوث والنجدة قبيلتي العبيدات والمرابطين من حكم  (أولاد علي) الجائر حتى تم طردهم وجلائهم بالقوة الى الجزء الثاني المثلث من أراض ليبيا بحيث تم ترتيب حدود عرفيا بين القبائل المتحاربة، الحد الفاصل غربا لقبائل ( أولاد علي ) هضبة مدينة السلوم ( العقبة )... وسميت الحملة شعبيا (تجريدة حبيب ) .

      مما عام 1911 م إستغلها البريطانيون المستعمرين لمصر، منعا لتقدم القوات الإيطالية إلى الشرق للحفاظ على قناة السويس التي هي عصب الحياة والشريان لبريطانيا في ذاك الوقت لمستعمراتها في الشرق الأدنى والأقصى، وإحتلت القوات البريطانية والمصرية المنطقة بكاملها ورسمت المنطقة على أنها الحدود الرسمية بالخط الوهمي حتى السودان بين الدولتين والتي اعتمدت من الأمم المتحدة بعدها وأصبحت أمرا واقعا لا يستطيع اي الأطراف الأصليين المالكين الحقيقيين سواءا الليبيين أو المصريين المساس به حتى الآن في وقتنا الحاضر .

 لن أستطيع الايفاء والشكر لوطني ليبيا التي ولائي وحبي لها بلا حدود من أعماق القلب، فقد كتبت الكثير عنها من الخواطر وسردت الكثير من الاحداث التاريخية والقصص المحلية والنوادر التي أعرفها وسمعتها وملما بها خلال تجارب حياة طويلة، والبعض من هذه الأحداث عشتها شخصيا، خلال سنين الطفولة والشباب والرجولة حتى الآن وأنا متقدما في  السن في العقد السابع من العمر .

  ليبيا وطن مترامية الأطراف مساحتها كبيرة معظمها صحراء قاحلة، وموقعها الجغرافي له مميزات عديدة ، حيث تقع في شمال أفريقيا على ساحل البحر الابيض المتوسط، جوها وطقسها عليل طوال السنة من ربيع وصيف، خريف وشتاء، وكل فصل له حسنه وجماله الخلاب لعيش مواطنيها براحة بدون كوارث ولا زلازل وزوابع شديدة تحل بها بعنف وشدة كما يحدث في دول عديدة بالعالم كل عام مما يكبدها الكثير من الخسائر في الأرواح والمال والجهد للتعمير والإنشاء، ليبيا النافذة الخلفية لدول أوروبا وبالأخص اليونان وإيطاليا وجزر كريت ومالطة القريبتان، والطريق البري الى مجاهل الصحراء وقارة أفريقيا السوداء حيث الخير والثروات والمعادن الغير مكتشفة الى الآن بدون حدود تحتاج الى رواد علماء مغامرين أشداء مكتشفين... حتى يزيلوا الغبار عن الجواهر والمعادن الكامنة الغير معروفة لسكانها المحليين نظير الجهل وعدم الاهتمام، حتى تلمع ويستفيد منها الكثيرون من البشر المحتاجين لتقدم الإنسانية...

    حبانا الله تعالى بخيرات وثروات رهيبة الآن فى وقتنا الحاضر وعلى مدى الأجيال القادمة إلى ماشاء الله عز وجل، وكل عقد او قرن آت جديد يمر عبر الزمن يتطور العلم ويكتشف العديد من الإكتشافات المستقبلية التي موادها رئيسية لعدة صناعات، مما تذهل البشر، تطبيقا للآية القرآنية، (بسم الله الرحمن الرحيم  وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً. صدق الله العظيم) . هذه النعمة والخيرات التى وهبها لنا المولى القدير، لم ننعم الا بجزء يسير منها فقد بلينا بشرور جمة عديدة بدون حساب أولهما، الفقر المدقع في البدايات والإستعمار والتبعية للإمبراطوريات السابقة واللاحقة فقد كانت ليبيا معبرا للغزاة الطغاة من الشرق للغرب أو من الغرب الى الشرق والآتين من البحر، لم نشم أنفاسنا وننعم بالحرية وبعض أنفاس الديمقراطية عبر التاريخ الطويل والحكام العديدين فى القرون الأخيرة التابعين اسميا للدولة العثمانية من غير أصول ليبية .... الا بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وطرد الغزاة الإيطاليين من تراب الوطن للأبد، وبإرادة الله تعالى وتوفيقه ونظير المشاحنات بين دول الغرب مع روسيا الحليفة فى انهاء الحرب والنصر التى تريد موطئ قدم وميناءا بحريا فى حوض البحر الابيض المتوسط لأساطيلها فى جزء من وطننا ليبيا، مما حظنا ساعدنا حيث الغرب لا يرغب تحت أي ظرف من الظروف فى ذاك الوقت أن يفتح المجال للمارد الشيوعي بأن يصول ويجول فى البحر كما يحلو له ويصبح شوكة فى خاصرة العالم الحر مع الوقت... نظير المناورات السياسية والدهاء للرفض بأدب خبيث وإستحياء حتى لا يغضبون حليفهم القوى الرئيس الطاغية ستالين في الظاهر، والواقع هم يكرهون الشيوعيين من أعماق القلب حيث هم الند والخصم الصعب لهم !!! ولتغطية الأمر وإعطائه صبغة قانونية للرفض بدهاء...   سلم الأمر لمجلس الأمم المتحدة ليتم التصويت عليه من بقية دول العالم العديدة التى معظمها فى ذاك الوقت تحت الهيمنة الغربية ، ضامنين الفوز الأكيد في التصويت مما كان ردا مقنعا للروس بالسكوت وعدم المطالبة بنصيبهم من الجائزة بعد إنتهاء الحرب حيث هم شركاء في النصر ولهم دور كبير في القضاء على ألمانيا الهتلرية ومن حقهم الحصول على الجوائز، أراد الغرب أم رفض ...    فازت ليبيا بالإستقلال يوم 1951/12/24م   وكان يوما تاريخيا لن ينسى من الأذهان والتاريخ الوطني عبر الزمن، نتيجة صوت واحد فقط من مندوب دولة هاييتي (السيد أميل سان لاو) الذي أمرته حكومته بالرفض لصالح الاستقلال إرضاءا لبريطانيا التي كانت تسعى جاهدة لوضع ليبيا الدولة الجديدة تحت الوصاية بأي ثمن، لكن بتوفيق الله عز وجل و ظروف خاصة أثرت على التصويت وصداقات مع رجال الوفد الليبى والحظ ،، صوت لصالح ليبيا ضاربا عرض الحائط بأوامر حكومته مما كانت صفعة للكثيرين وبالأخص بريطانيا حتى تلعب بقدرها بحجج الوصاية كما لعبت فى قضايا فلسطين وكشمير وعدة دول أخرى مازالت تدفع الشعوب البريئة المظلومة في المآسي والمجازر وأنهار الدم بين الحين والآخر حتى الآن...  نظير سياساتها الخبيثة...   وزاد الفضح لها عندما رفض مسؤوليها في نيويورك تسديد فواتير الوفد الليبي في الفندق وتذاكر الطائرة للرجوع وهي تعلم أنهم ضيوف على حسابها، وليس لديهم المال للتغطية، مما إضطرون للإستلاف الشخصي من بعض الاصدقاء للتسديد ...  حتى وصلوا الى ليبيا... والسيد ( أميل سان لا و ) طرد من منصبه وعاش فقيرا فى مدينة نيويورك بعد العز والجاه كمندوب دولته، جاء العهد الملكي الزاهر بالخير والثروات والغنى الفاحش، فقد كانت ليبيا منسية وفقيرة لا أطماع فيها من القوى الخفية ولا الدول الكبرى... حيث اوروبا المستعمرة للشعوب المقهورة في ذاك الوقت تسخر بنكاية عليها أنها (صندوق من الرمال الفارغة صحراءً قاحلة شحيحة المياه ) لا فائدة منها...  وبالأخص بعد إنتهاء الحرب الضروس مع المحور التي إستغرقت عدة سنوات حتى تم النصر للحلفاء، دولا عديدة أوربية تعاني من  مشاكل الدمار والخراب والفقر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مما لم تركز التركيز الكبير على ليبيا ،، بل جميع اهتماماتها على نهضتها والبناء والتشييد لمدنها المدمرة... وإضطرت الحكومة الليبية الناشئة الفقيرة بدون أي دخل قومي في ذاك الوقت العصيب لتأجير بعض القواعد العسكرية فى الغرب ،، بجانب العاصمة طرابلس قاعدة ( هويلس ) لأمريكا وفي الشرق قاعدة ( العدم ) على مشارف مدينة طبرق لبريطانيا حتى تستفيد من الدخل الزهيد لتغطية الميزانيات الهزيلة لتطفح على السطح ويعيش مواطنوها الذين معظمهم فقراء بإلكاد يشمون الأنفاس للعيش بكرامة... والتي للأسف الشديد إستغلها إخوتنا المصريين في إذاعة صوت العرب في التشهير بالعهد الملكي الناشئ أنهم عملاء للإستعمار الغرب، أثناء فترة الحرب الدعائية العشواء ضد الغرب من قبل الرئيس جمال عبدالناصر، مما هيجت الشعب الليبي ضد الحكومة والملك، مع ان ليبيا كانت السباقة الاولى قبل اي دولة عربية أخرى في الدعم المالي بدون حدود في ذاك الوقت بعد إكتشاف النفط، والله الموفق...
رجب المبروك زعطوط
 البقية في الحلقات القادمة ...

No comments:

Post a Comment