Thursday, September 15, 2011

قصصنا المنسية 12

 بسم الله الرحمن الرحيم

 التهديد بالقتل

جنازة المرحوم ادريس العيساوي 
                  قام اللواء نوري الصديق في   اليوم الثاني بتأبين الفقيد العقيد الركن، ادريس العيساوي،  في حشود المعزين المشاركين في  الجنازة الكبيرة بالمقبرة وقت المواراة في الثرى  وكان الجثمان مسجى أمامه، مقسما يمينا بشرفه العسكري أمام الجميع أنه لن يهدأ ولن  يتوقف حتى يقدم القتلة للعدالة مهما كان الثمن والتضحيات... وكان للحادث المؤسف أبعادا كبيرة أخرى خطيرة لا يعرفها ولا يعلمها وغير ملما بها وتم إنذاره وتهديده بسرعة في الحال في نفس الليلة بالصمت والسكوت وعدم التدخل في الصراع السياسي في القصر ... واذا قام بأي نوع من المتابعة وإفشاء الاسرار، فسوف يكون مسيره العقاب العنيف والاغتيال والدفن بجوار القتيل، مما خاف من الوعيد والتهديد وصمت حتى وفاته بعد عقود عديدة من الحادثة الأليمة ووفاة الشهيد...للأسف!
               تابعت شخصيا الموضوع بشغف ولهفة حيث الإتهامات عديدة لكثير من الأطراف المتورطة ، محاولا معرفة وإستجلاء الحقيقة من الشاهد الأول الرئيسي الذي سمع الإعتراف الأخير من الشهيد الضحية وكان بودي تحديد ميعاد  ولقاء اللواء نوري الصديق شخصيا في كبره وتقاعده في طرابلس والحديث معه عن الموضوع الذي مر عليه زمن طويل، لأعرف رأيه وممكن سماع بعض الأسرار الخفية الخاصة بالموضوع .
                 كانت الظروف صعبة وقتها نتيجة الملاحقة والمراقبة لي من عيون الأمن لنظام القذافي ، عندما رجعت من الغربة بعد غياب طويل إثني عشرة عاما ونيف معارضا في الخارج ، وضاعت علي الفرصة للأبد عندما سمعت خبر وفاته وكم حزنت أنه لم تتاح لي الفرصة وجها لوجه وسؤاله شخصيا عن الحدث ، ولا أعرف إن أخذ السر معه للقبر، أم باح وصرح به لأحد أولاده وهو يحتضر، أو كتبه في مذكراته الشخصية إذا سطر الذكريات على ورق ولم تنشر بعد؟؟؟
               إغتيل الضابط أدريس العيساوي وكانت صدمة كبيرة ونكسة لعائلته وجميع محبيه من المدنيين والعسكريين  الذين عرفوه شخصيا ، وخدموا تحت إمرته لشهامته ورجولته، وكانت ايضاً صفعة كبيرة للمخابرات الأمريكية التي أيدته وراهنت عليه وخسرت الجولة الأولى في حلبة الصراع المستمرة لعديد الجولات بدون توقف ، مما دبرت حادثة سيارة شنيعة بعدها بفترة للبوصيري الشلحي الذي كان متهورا في القيادة بسرعة جنونية لسيارته الجاغوار في منطقة إجدابيا وهو راجعا من زيارة الملك في طبرق إلى طرابلس العاصمة ، وتوفي في الحادث الشنيع...  وكانت صفعة وردا لكل من ساند آلِ الشلحي وبالأخص القوى الخفية البريطانية وعملاؤهم بالقصر وتم أخذ الثأر للعيساوي الشهيد.
                للأسف القصة تكررت بسذاجة نظير الهيمنة والنفوذ الغير طبيعي على الملك ، وولي عمر الشلحي الأخ الأصغر بنفس الطريقة والرعاية مستشارا خاصا للملك، وكأن ليبيا عقرت عن إنجاب الرجال ولا يوجد بها كفاءات قادرة على المهام الكبيرة وتولي المناصب العالية الرفيعة بدون هذه العائلة ليتولى أفرادها الواحد وراء الآخر المناصب العالية المهمة كلما حدثت لهم مصيبة ونكسة نظير الطمع للحكم والسلطة والتحكم في الملك بقوى غير طبيعية .

             الملك كان زاهدا في الحكم كما يشاع وحاول أكثر من مرة التنحي والتقاعد وترك العرش لإبن آخيه ولي العهد الأمير الحسن الرضا نتيجة كبر السن ، لكن جموع الشعب والجماهير تأتيه في مظاهرات صاخبة باكية أمام القصر في طبرق طالبة العدول عنها بإيعاز من آل الشلحي وعملائهم الذين يوفرون  الإقامة في طبرق والمواصلات للقدوم من المدن الاخرى بالمجان ، كتغطية لإثبات حب وولاء جماهير الشعب للملك ادريس طالبين العدول والاستمرار في الحكم والعرش، حتى يستمرون في البقاء بالمناصب ونسج المخططات والحكم حيث الملك إدريس سندهم الوحيد للبقاء ، مما الملك يخرج إلى الشرفة ويشاهد الآلاف من المواطنيين باكين ، يتأثر ويتوقف ويعدل عن الاستقالة وتستمر المشاكل في التعقيد وتزداد بلا حلول جذرية.
                بدأ الصراع يزداد ويتأزم بين العائلات آل الشريف و آل الشلحي محليا من جديد تغذيه القوى الخفية من الطرفين البريطانيين والأمريكان (مع انهم حلفاء) للهيمنة على المملكة والدخل الخيالي وثروة النفط وأهمها الموقع الاستراتيجي للوطن على البحر الابيض المتوسط والقرب من اوروبا ، ومنع المد الناصري والشيوعي من إجتياح دول وشعوب شمال أفريقيا والقارة السمراء فترة الحرب الباردة بين النسر الأمريكان الغرب والدب الروسي الشرق .
            عائلة الشلحي المنكوبة تجاوزت حدودها نظير الطمع في السلطة والثروة للوطن وهي دخيلة بدون جذور عميقة نابعة في ليبيا ، الجد من أصول مغربية جزائرية وصل إلى ليبيا مريدا مع عميد الاسرة السنوسية الشيخ محمد علي السنوسي عند مروره على ليبيا في رحلته للحج مع بعض مريديه وأتباعه ، وبعد الرجوع من اداء الحج تم الاستقرار في ليبيا وبناء اول زاوية للطريقة السنوسية فى المدينة القديمة بمدينة البيضاء الجبل الأخضر .
           أغتيل عميدها أبراهيم الشلحي نظير الصراع الدائر وقتها على الحكم في القصر ، وبعده بسنوات لحقه إبنه الأكبر البوصيري في حادث سيارة مدبر والثاني عمر الشلحي المرشح لتولي المهام الصعبة ، لم يفرح في الاستمرار في المركز الرفيع المهم ، قضى عليه الإنقلاب سنة 1969م وأصبح مهاجرا طريدا بدون وطن بالغربة في سويسرا بعد عز وجاه بالوطن .
               والإبن الثالث الضابط العقيد الركن عبد العزيز برئاسة الأركان بالجيش دخل السجن فترة واطلق سراحه فيما بعد وظل سنوات عديدة سجينا في بيته تحت الاقامة الجبرية ممنوعا من الخروج ، مهمشا بدون ذكر ، حتى أصابه المرض من الهم والغم ، بعد العز والصولجان يصل لهذا الحال المؤسف من الضياع والهوان من قبل أوباش.
               إنها مآسى ومصائب حدثت وتوالت لم تأت  من فراغ، لها أسبابا قوية غيبية ، عين الله تعالى الساهرة تراقب تمهل ولا تهمل... "عشم" ليبيا الطاهرة الصابرة ليس سهلا ولا يمر مرور الكرام بدون دفع الثمن وتقديم الضحايا والدم، وأي إنسان ليس أصيلا جذوره نابعة من الوطن له مرجعية وصلات رحم ودم ، لا يستطيع الصمود والبقاء مهما سعى للحكم والسيطرة بالدسائس والإرهاب وإستغلال المؤسسة العسكرية الجيش وقوة السلاح ، في الوصول والبقاء والحكم بدون عدل وتقوى ، النهاية السقوط الموت والفناء لمن لا يعتبر ولا يتعظ ، ويلعب بالنار ومصائر المواطنين الأبرياء .
           حيث ليبيا مثل الرصاصة حارقة خارقة لمن أراد بها السوء من الإستغلال والنهب مهما تم من خداع تمثيل وتدجيل للبقاء في سدة الحكم بإستمرار له وقت معين محتوم في علم الغيب وينتهي الامر ، فلا يصح الا الصحيح ... والله الموفق .

             رجب المبروك زعطوط 

 البقية تتبع...

No comments:

Post a Comment