Sunday, September 25, 2011

قصصنا المنسية 16

بسم الله الرحمن الرحيم

 جولة خواطر ليبية

            آليت على النفس كتابة الحق حسب المعرفة والقدرات بدون التجني على أي أحد مهما كان... حيث من وجهة نظري بالسابق القلائل الذين كتبوا عن التاريخ الليبي الحديث بصدق من بعض الجوانب التي حدثت ، والبعض من الكتاب لم يتجرأ على الكتابة وإشهار الحقائق التي غابت وطمست ولم تظهر للنور والعلن للجميع نظير عوامل عديدة أهمها الخوف والنفاق وعدم الاحراج واللوم والمحاسبة... حيث الصدق والحقيقة هي الأساس للحضارة والسمو والتقدم ، حتى يأخذ شبابنا الباحثين عن الحق والحقائق الغائبة والمغيبة بقصد ، منها بعض العبر .
                فالوطن للجميع وليس ملكا لأحد دون الآخر حتى يتباهى ويفخر لأي سبب على الآخرين،  حيث من وجهة نظري المواطنة ليست بالولادة ولا بعدد السنين التي قضاها وعاشها الانسان مقيما بالأرض ولا بالقبلية والفخر المزيف والتشدد والتزمت والجهل ، ولا بالجهوية والعنصرية لجهة ما معينة .... الأرض جميعها لله عز وجل ، والأهم الايمان التام والتوحيد بوجود الله تعالى والولاء والحب للوطن من القلب والضمير بصدق والعمل المستقيم للصالح العام .
                جميعنا مواطنين في ليبيا ، والدفاع عنها وقت المحن بالروح والدم بلا منن ولا جميل ، ولا طمع في عطايا من مراكز ومال مثل مايحدث الآن في الواقع المرير من الكثيرين أدعياء الثوار أشباه الرجال الذين قفزوا للمقدمة والقمة نظير عوامل كثيرة وحظ ، لم يكن لهم وقت الصدام والمواجهة الحقيقية أي دور كان.
                  عشت أيام المملكة شابا بدون خبرة ولا تجارب سياسية وشاهدت وسمعت عن الكثير من المواقف الجيدة والبعض السيئة التي بمقاييس اليوم تعتبر لا شئ ... وقام الأنقلاب الاسود المشئوم الذي غير كل المفاهيم رأسا على عقب ، جعل من أبناء شعب ليبيا البسطاء ذوي طهارة النفوس والبراءة ، من البساطة والأحترام والتقدير للكبير وحب الخير للجميع إلى وحوش كاسرة تنهب المال العام وتستولي على أرزاق الناس بدون وجه حق.  تنفذ أوامر الطاغية الشريرة بدون واعز ضمير ولا تساؤلات ، تسجن وتعذب الأحرار بقسوة غير عادية وكأنهم غير بشر ، تقتل الزوار الضيوف كما حدث للإمام موسى الصدر ورفاقه بدون احترام ولا كرم الضيافة ، تهتك الأعراض للحرائر وكأنهن سبايا ليس لهن كرامة ولا أهل وأصل ، وتنشر فرق الموت من اللجان الثورية الارهاب والرعب القتل والدم فى الوطن وخارج الوطن بدون أسباب واضحة مهمة للمصلحة العامة غير الجنون والغرور من طاغية إتخذ من المخالفة أعراف جديدة (خالف تعرف) النعت ودمغ الوطن بصفة الإرهاب ، وتصفية الخصوم المعارضين الأبرياء في معظم أنحاء العالم ببساطة وكأنه أمرا عاديا ينفذون في الواجب لا غبار عليه بدون ان يندى لهم جبينا على الجرائم البشعة في حق الانسانية ولا صوت ضمير نابع من الأعماق يعنف ويردع .
                     نسوا وجود الله عز وجل الخالق فأنساهم أنفسهم، جعلهم في هرج ومرج يتخبطون في الشر والشرور العديدة كمن مسهم الجان بلوثة جنون... نظير حكم وأمور غيبية نحن كبشر مهما أوتينا من علم ، لا نعرف الأبعاد البعيدة والذي يعتبر ضئيلا قليلا نظير الشهوة والطمع وغياب الأخلاق الحميدة وعدم الرجوع للطريق السوي، الحق الذي هو الأساس والركيزة للنجاح والخروج من المحن .
                    نظام الجهل والتخلف دمر جميع أعمدة التقدم والرخاء ،السلام والولاء والأخلاق للشعب البسيط على مدى 42 عاما عجافا مرت من أعمارنا وأخذت زهرة شبابنا وجعلتنا نعيش حالات الخوف والرعب نظير القهر والسجن والتعذيب والقتل وإراقة الدماء بدون حساب في أوساط المجتمع .
                   تم زرع الشك من كثرة الأجهزة الأمنية العديدة المعلن عنها والغير معلن والتي في السر والخفاء ، الواحدة تراقب  أبناء الشعب والأخريات من الأجهزة بعيون ساهرة...  والذي لديه ذرة ضمير من المسؤولين ويريد أن يتساهل ويساعد البعض من المتهمين الضحايا لا يستطيع من الخوف والشك خشية من الوشاة المستترين.
                والوشايات من أقرب الناس للإنسان الذين البعض منهم من الأقارب ذوي صلات الدم من دون ان يشعر ويشك في نواياهم الشريرة لقاء الحقد والحسد ، والبعض يدعون الأخوة والصداقة وهم وشاه عملاء منافقين ، لقاء جاه ومراكز زائلة حيث لا يصح الا الصحيح مع طول الدهر والوقت.
                أحمد الله تعالى على طول العمر فقد عشت أيام العهد الملكي شابا يافعا، وعاصرت الإنقلاب الأسود من أول يوم حل بهذا الوطن الطيب الصامد كرجل شاهد على العصر ، والآن في شتاء العمر وكبر السن عائشا مناضلا أتجرع المرارة والأحزان على مآل الوطن وما حدث فيه من هرج ومرج وقتل عشوائي ودماء وخطف وطلب الفديات الضخمة مما إضطر الكثيرين للفرار والهجرة خارج الوطن بعد عدة سنوات قليلة من النصر والقضاء على الطاغية القذافي،  خوفا على حياتهم والنجاة بالجلد.
               بكتابة بعض القصص عن الدسائس والمشاحنات من أهل القصر وصناع القرار في مدوناتي السابقة ، ضمن قصصنا المنسية عام 2011 م ، لتوضيح الحقيقة ، والتي الآن بعضها تحت المراجعة والتصحيح ، إنتهيت من خمسة عشرة واحدة ، ونشرت  والباقية تحتاج إلى وقت طويل حتى انتهي منها طالبا من  الله تعالى التوفيق في إتمامها كما يجب.
                 كانت نتيجة لقاءات وسماع الكثير من الحكايات والأسرار التي دارت بالسابق في العهد الملكي في الردهات ودهاليز القصر والصالونات، أثناء المآدب والجلسات الخاصة من بعض المسؤولين الذين كانوا يوما من أصحاب القرار في الوطن والبعض كانوا متقاعدين في الثمانينات لاجئين بالغربة، ربطتني بهم معرفة وصداقات ، والذين الآن معظمهم في ذمة الله تعالى أمواتا في القبور ( رحمهم الله تعالى بالمغفرة ).
              جمعتها حسب الفهم والمعرفة ودونتها عسى يوما فيها بعض الفائدة لمن يبحث لصياغة التاريخ الليبي الحديث على الوجه الأكمل الصحيح بدلا من الكثير المزور...لقاء أهواء جهوية وعنصريات ، لا أريد لوما ولا تجريحا لأي إنسان كان ، وأعتذر اذا سببت الإحراج لأي طرف ، فنحن بشر خطائون لسنا ملائكة، وبالأخص الذكر لبعض الأخطاء في نظر الكثيرين من أبناء الشعب التي قام بها الملك أدريس سليل الأصل والفصل ، زعيم الطريقة السنوسية الروحية البناءة   لرفعة الدين وخدمة الإسلام .
               ولو تقدم مناضلا من العائلة السنوسية وقاد المسيرة خلال فترة 42 عاما العجاف وطالب بالعرش بمصداقية وتحدى النظام وأثبت وجوده في المعارضة بالخارج والداخل وواصل الكفاح بضمير مع الثوار الأشاوس فى الثورة المجيدة 17 فبراير وبعدها لكنت من أول المناصرين والمؤيدين لرجوع العهد الملكي لحكم الوطن ليبيا .
               ففضل العائلة السنوسية على ليبيا روحيا بالسابق وبالأخص المنطقة الشرقية أفضالا كثيرة أهمها توحيد الصفوف والجهاد والنضال ضد المستعمر... كانوا شموعا نيرة أضاءت النور ضد الجهل والتخلف والدعوة الصادقة لشرح الدين على الأسس والقواعد السليمة، محاربين الكثير من البدع والحشو الضار الزائف المدسوس خلال عصور سابقة عبر الزمن من التخلف والجهل المتعارف عليه في القرن التاسع عشر.
                نشروا الدين الحنيف في مجاهل أفريقيا بالترغيب والحوار والمنطق بسلاسة وبالعقل ، والملك ادريس بالحكمة والدهاء والصبر وبعزيمة الرجال الرفاق المناضلين وحد البلاد في وحدة ودولة واحدة ونزع فتيل الخلافات بين الزعماء في الغرب والشرق والجنوب الذين كان كل شيخ وزعيم يرغب ويريد حكمه والسيطرة على الوطن .
                 أحببت بسردي هذه الصراعات والتي لم تكتب صراحة من قبل ، تنبيه لمن يبحث من الشباب حبا في المعرفة ويأخذ عبرا حتى لا يخطأ ويتعثر فالمسيرة طويلة بعد سقوط وانتهاء النظام تحتاج إلى رجال حكماء ذوي عزم وقوة على التحمل والسير بحكمة ، ذوي تجارب ودراية حتى تصل السفينة الى بر الأمان ضمن إحقاق الحق والعدل ومحاكمة جميع رموز النظام ، إيداعهم بالسجون ضمن الزنزانات التي قضى أحرار ليبيا الوطنين وقتهم فيها عسى ان يتذكروا أفعالهم وسوء أحكامهم السابقة .
                المحاكمات العادلة لكل الرموز التي عملت وساندت الظالم القذافي حتى تمكن من البقاء طوال السنين العجاف ، بالعدل والحق سجناء نزلاء بالسجون ضمن الحراسات المشددة ، وليس السجن المرفه بالإستراحات الفاخرة كما قيل وحدث مع مصطفى الخروبي، عضو مجلس قيادة الثورة، والذي كان له أدوارا عديدة في خراب ودمار ليبيا طوال مسيرة الفوضى والعهر السياسي المادي والإرهاب .
                 وترك البعض وغض النظر حتى يهربوا إلى خارج الوطن نظير دفع الرشاوي الباهظة بالملايين ومنهم الرائد عبدالسلام جلود وغيرهم من المسؤولين الكبار في بدايات الإنقلاب الأسود الذي لديه معرفة بالكثير من المآسى والاحداث التي حصلت بحاجة إلى توضيح للعلن لكثير من الأسرار، طالما مازال باقيا على قيد الحياة ، عسى أن يرتاح ضميره من العذاب اذا كان لديه الاحساس ويغفر له أبناء الشعب الليبي الذنب.
                كان جلود من ضمن الذين داسوا على كرامة رجال المملكة وشيوخها السابقين أمثال السادة محمود المنتصر، وأحسين مازق وعبدالجليل سيف النصر، وحامد العبيدي، ومفتاح بوشاح والسنوسي الفزاني والسيد أدريس بوسيف والسيد عبدالرازق شقلوف والسيد عبدالحميد البكوش والحاج محمد عثمان الصيد والحاج محمد السيفاط والحاج رجب بن كاطو وغيرهم من الأسماء التي لا أتذكرها الآن وقت التدوين والكتابة ، والذين هم  بالعشرات من رجال ليبيا الحقيقيين.
                لم يراعوا عوامل السن ولا إحترام الشيخوخة ، وماذا قدم هؤلاء الرجال من تضحيات للوطن حتى تحصل على الأستقلال ، كم عانوا من ويلات وتحديات عندما كانوا في السلطة وصناع القرار في المملكة الليبية منذ الاستقلال في الخمسينات إلى نهاية الستينات من القرن الماضي العشرين وقت ليبيا الصعب والتي كانت فقيرة بدون دخل تعيش على الإعانات والهبات، كانوا وقتها النخبة بالوطن ، حيث للأسف الشديد مثل العادة لدى الشعوب الجاهلة بدون سمو وحضارة ، لا إعتراف بالجميل ، والذى يسقط في الصراع السياسي تناله سكاكين الجزارين بالذبح.... وكأنه لم يكن يوما سيدا مطاعا الجميع يحاولون القرب منه، معظمهم نظير النفاق والحصول  على مصلحة وفوائد ، بدون ان يعرفوا الأخطاء.
                 تم الحجز والايداع لهم في السجون بدون شفقة ولا رحمة ولا ذرة أنسانية نظير الجبروت والطيش وفرحة النصر بالإنقلاب الذي أطلقوا عليه ثورة الفاتح ، في إنتظار المحاكمات وهم يعرفون أنهم كبارا في السن ولديهم أمراضا عديدة ، تاركين البعض تشفيا وحقدا من غير أية رعاية صحية حتى ماتوا شهداءا وحيدين بدون أهل ولا رفاق في ساعاتهم الاخيرة.
               نحن أبناءهم وأحفادهم وبني مناطقهم تربطنا صلات الأخوة في الدين والوطن والدم والمصاهرة،   لن ننسى الجرائم المشينة البشعة التي حلت بهم ، طال الزمن أم قصر ، وسوف نأخذ بالثأر بشرف والحق والعدل ، من الذين دمروا ليبيا الوطن إلى الآن نظير الجهل وحب السلطة ، وإن لم نستطيع الحساب لهم بالدنيا للمجرمين الذين عاثوا الفساد والإفساد في الحرث والنسل نظير ظروف قاهرة وعوامل تقادم الزمن ، الأحياء منهم وراءهم الامراض وعذاب الضمير ينهش، وأموال الحرام والزاقوم تلذع وتلدغ النفوس ، وآخرها الموت والنهاية والحساب الإلاهي الذي لا يترك ذرة واحدة شرا في زوايا النسيان ، بدون حساب صارم و عقاب.
            ونذكر الأموات الشرفاء الوطنيين الشهداء في ذمة الله تعالى بالخير والذكرى العطرة نظير الاعمال الخيرة وماذا قدموا من تضحيات ودماء زكية طاهرة مثل العطر في سبيل الوطن ، من يوم الانقلاب الاسود 1969/9/1م  وحتى الآن حتى يأخذ الآخرون العبر من ذوي أصحاب القرار الحكام الجدد للوطن ، ولا يتمادون في الظلم والقهر ... فالظلم والقهر ظلمات تؤدى بأصحابها إلى الضياع والهلاك طال الزمن أم قصر... والبقاء للشعوب الحية وأجيالها عبر التاريخ والزمن إلى أن يأذن الله عز وجل ويأمر بيوم القيامة ...

   والله الموفق...
                          رجب المبروك زعطوط

 البقية تتبع...

No comments:

Post a Comment