Tuesday, September 6, 2011

قصصنا المنسية 11

بسم الله الرحمن الرحيم

 الإغتيال الثاني في المملكة


العقيد الركن ادريس العيساوي
               حدثت أحداث كثيرة سياسية خطيرة أثرت على مسيرة المملكة الفتية الناشئة والتي مع الوقت والصراعات العائلية المحلية والعالمية أنهتها وأزالتها من خريطة الوطن ليبيا إلى الآن ، وبدايات الانهيار منذ اليوم الأول لإكتشاف النفط والغاز بكميات كبيرة مما جعلت العيون الدولية والأطماع الخفية تتجه لها بقوة وتخطط للسيطرة عليها نظير قلة الشعب في المساحة الكبيرة الغير آهلة بالسكان ، والموقع الإستراتيجيي جنوب اوروبا وبوابة مهمة للعبور إلى دول افريقيا المغلقة بدون مواني مطلة على البحر مثل دول تشاد والنيجر وغيرها ، والثروات الرهيبة من النفط والغاز بباطن الأرض، ووجود الأطلال شامخة من بقايا الآثار للحضارات السابقة شواهد في أماكن كثيرة بالوطن التي معظمها لم تكتشف بعد مما كانت هذه العوامل العديدة أساسيات للهيمنة بسهولة .
                 وزادتها تدخل شركات النفط العملاقة العاملة في ليبيا في السياسة المحلية عن طريق عملائها المرتشين القطط السمان المعروفين والذين البعض منهم مايزالون إلى الآن على قيد الحياة (لا أريد الفضح ولا التشهير والله سبحانه وتعالى يوما يأخذ الحق)... الضغوط بطريقة او اخرى على تغيير الدستور وإلغاء نظام الولايات الإتحادي لثلاثة أقاليم،  ولايات (برقة و طرابلس وفزان) والاستبدال إلى مملكة متحدة حتى لا يتم الاصطدام بقوانين الولايات المختلفة في الاستكشاف مما سهل نهاية المملكة وضياعها للأبد.
                 حكايات قيلت كثيرة همسا في الخفاء ووراء الستار على زيارة الامير ولي العهد الحسن الرضا إلى أمريكا للتعريف به كملك المستقبل للأدارة الامريكية أيام حكم ولاية  الرئيس جون كنيدي، وكان من ضمن الوفد المرافق الضابط بالجيش العقيد الركن  أدريس العيساوي الذي أسرته من إخوان الطريقة الروحية السنوسية مؤيدا لعائلة الشريف الأصيلة خصوم آلِ الشلحي في السر.
              تردد في الأوساط الضيقة وفي الخفاء همسا أنه كان بطريقة أو أخرى متعاونا مع جهاز المخابرات المركزية الامريكية  (CIA)... وأنهم كانوا يعدونه لحكم ليبيا الفعلي مستقبلا عندما يتقاعد أويتنازل الملك ادريس عن العرش ويتولى ولي عهد المملكة الخجول رهيف الحس من الطيبة حميد الأخلاق والأدب، الغير قادر على الحكم كما أشيع عنه في ذاك الوقت في الأوساط من معظم رجال الدولة الذين عرفوه معرفة جيدة عن قرب .
              كانت المخابرات البريطانية تخطط لمصالح دولتها الاستعمارية بضمان بقاء السيد البوصيري الشلحي في منصب الحاكم الفعلي، متخذا من الملك وبعده ولي العهد غطاءا للحكم وكان الملك إدريس على علم بالصراع وماذا يحاك من دسائس في القصر ولا يريد هز المملكة و دمغ ملكه بسفك الدماء ومحاسبة وعقاب الكثيرين من الأطراف المتخاصمة على السلطة والثراء وآثر السلامة والتقاعد حيث كان رجلا مسالما تقيا غير مهتم  بالحكم .
             القوى الخفية الأمريكية الماسونية تعمل جاهدة في هدوء على عدة محاور وبدائل لتولي العقيد الركن، إدريس العيساوي، المهام الصعبة ويصبح الرجل الأول في السر والخفاء يقود الجيش ويتخذ من ولي العهد الملك المستقبل غطاءا للحكم الفعلي، أو غيره من العسكريين المرشحين ضمن القائمة الجاهزين للوثوب إلى المقدمة عندما يحين الوقت ، مما بطريقة أو أخرى ينتهي نفوذ آل الشلحي ومن ورائهم هيمنة ونفوذ بريطانيا من الوجود في ليبيا .
             تم تنبيه آلِ الشلحي بما يدور في الخفاء من سادتهم البريطانيين حتى لا يعم عليهم الفيضان فجأة وهم في غفلة ويجدون انفسهم مطرودين من القصر إلى غير رجعة للأبد ، وسارت الامور في منحنيات أخرى خطيرة خوفا من الضياع والمصير القادم بسرعة والذي على وشك الحدوث مما زادت لهيب النار ، وتقرر أن الهجوم أحسن وسيلة للدفاع ، ودبرت مكيدة للقضاء على رأس العملية المختار المنافس ، قبل ان تحدث.
             تم إغتيال أدريس العيساوي في بنغازي يوم 1962/12/9م  عندما أستدعى بحيلة ماكرة ليلا بالهاتف بالقدوم للمعسكر على عجل بسرعة الذي كان آمرا له حيث به مشكلة وتمرد تحتاج وجوده الشخصي ولا تتحمل الإرجاء حتى الصباح ، عندما كان مع أصدقائه في أحد المقاهي في ميدان الشجرة بنغازي كالعادة يسهر ويلعب الورق ، وقال لأصدقائه مودعا وهو يخرج أنه سوف لا يتعطل كثيرا ويرجع بسرعة لتكملة السهرة ولم يعلم وقتها الغيب، ان القدر ينسج له في الكفن والقتلة المجرمين في إنتظاره بالمرصاد للقضاء عليه.
              ذهب خالي البال لوحده بدون أي رفيق ولا حراسة وقاد سيارته حيث ذاك الوقت الأمن والأمان مستتب والمعسكر الذي يقصده على طريق بنينا المؤدي للمطار شبه مهجورة من حركة المرور لقلة السيارات ولا أضواء ونورا على الجانبين كما الآن ...  ووجد حاجزا بالطريق مما توقف ليستجلى الامر خالي البال لا يدري ماذا يحاك له وإقترب آحدهم وأطلق الرصاص عليه عدة عيارات مواجهة في الصدر والبطن وكان الشهيد شجاعا دافع عن نفسه بمسدسه والرد بإطلاق الرصاص مما كثرت الأصوات نتيجة تبادل إطلاق العيارات النارية المدوية في سكون الليل الهادئ وهرب الجناة خوفا من القبض عليهم أو الملاحقة .
              حضرت النجدة وتم نقل المصاب وهو يلفظ أنفاسه الاخيرة ينزف الدماء ونقل إلى المستشفى الخاص داخل المعسكر البريطاني وكأن الامر مرتبا مسبقا بدلا من نقله إلى المستشفى العام الوطني داخل المدينة للعلاج ...  وطلب المصاب حضور قائد الجيش رئيس الأركان وقتها اللواء نوري الصديق الذي حضر على عجل وشاهد الشهيد في لحظاته الأخيرة وهو يصارع الموت ، وسمع الإعتراف والكلمات الأخيرة من كان القتلة وراء الرماية بالرصاص عليه قبل ان يودع الحياة ويموت متأثرا بالجراح .
              أثير همسا في الأوساط الضيقة عن طريق احد الممرضات البريطانيات كانت  شاهدة عيان للحدث داخل المستشفى وقتها صديقة أحد الضباط الشباب الليبيين بعد وفاته بفترة والتي إعترفت في أحد لحظات النشوة وصحوة الضمير بالحقيقة المرة ، أن الشهيد لم يعطى له الاهتمام الكافي بالعناية والعلاج كما يجب من الأطباء بالمعسكر، والذي كان من الممكن إنقاذ حياته ونجاته من الموت ، بل ترك عن قصد مبيت ينزف الدم حتى توفى (رحمه الله تعالى) والتي بعد فترة توارت ويقال أنه تمت مدة خدمتها في بنغازي ليبيا وتم نقلها إلى احد الدول في الكومنولث البريطاني منعا للمتابعة وتوثيق شهادتها رسميا للأيام ، والحقيقة يعلمها الله عز وجل... والله الموفق .

             رجب المبروك زعطوط

 البقية تتبع....

No comments:

Post a Comment